قلم : جمانة الياسين
هو من تدلّى الدرّ عناقيداً من منطقه
هو من أملى الأميّة على ألواح الشرائع وحياً وهدى
هو من مسح الجباه ببركةٍ شابهت بيض الآرام نقاءاً
حتى تسابقت الآفاق إلى افتراش خطاه والصلاة عليه
هو الحبيب طه .. سلّم اللهم عليه تسليماً يليق بفيض المآقي دمعاً قد حنّ إليه
يا رفقة أحمدٍ يا منال كلّ روحٍ قد دشنها ذكره وآنسها حبّه .. يا هدي أحمدٍ يا قناديل الأنس لهاتيك القلوب التي طمحت إلى جوار الله الخلود ..
ما من خصلة من خصال الخير إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أوفر الحظ والنصيب من التخلق بها، وما من نهر طيبٍ في هذا الوجود إلا وكانت أنامله الشريفة إحدى ينابيعه، ولما كان القدوة والإمام، فهو أيضاً الحبيب الصاحب بالجنب.
تجلت أسمى أخلاق الصادق الأمين بلين جانبه لكل من أرسل إليهم من هذه البشرية، وعندما كانت إحدى وصاياه "خيرُكمْ خيرُكم لأهلِه" فقد كان أرفق على أهله من رفقهم على أنفسهم.
هاهو هنا يرفق بزوجه فتجده أول من يواسيها، يكفكف دموعها، يقدر مشاعرها، لا يهزأ بكلماتها، يسمع شكواها، ويخفف أحزانها؛ فكان مثالاً يحتذى، وقدوة حسنة يستفيد منها البيت المسلم على مر القرون والأزمان؛ عن أنس بن مالك أنه قال: بَلَغَ صَفِيَّةَ أنَّ حفصةَ قالتْ بنتُ يَهودِيٍّ فَبَكَتْ فَدخلَ عليْها النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وهيَ تَبكِي فقال: "ما يُبكيكِ" قالتْ: "قالتْ لي حَفصةُ إنِّي ابنَة يَهودِيّ" فقال النبِي صلى الله عليه وسلم "وإِنَّكِ لابنَة نبيّ وإِنَّ عمّكِ لَنبيّ وإِنَّكِ لتحتَ نبيّ فبِمَ تَفخرُ عليكِ" ثُمَّ قال "اتَّقِي اللهَ يا حَفصةُ"
كان يخرج معهن للتنزه لزيادة أواصر المحبة، فيروي البخاري : "وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كانَ بِالليلِ سَارَ مَعَ عَائشَةَ يَتحَدَثُ"
وكان كثيرًا ما يمتدح زوجاته، فها هو ذا رسول الله يمتدح عائشة - رضي الله عنها- قائلاً: " إنَّ فضلَ عائشةَ على النساءِ كفضلِ الثريدِ على سائرِ الطعامِ" [البخاري].
فالناظر هنا في عذوبته عليه الصلاة والسلام، ولطفه ولين جانبه، يجد في سيرته وهديه، القدوة لحياةٍ مستقيمةٍ ملؤها الجمال الصادق المغيث للنفس، والمرضي لله في آنين معاً.
وهاهو ذا يسطر أحد أرحم مواقف اللين وحسن الرفقة، إذ استأذنه أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه- في الهجرة، فقال له: "لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً"، فلما أذن الله ـ عز وجل ـ لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: " الصحبة يا رسول الله ". فقال له: "الصحبة"، تقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ" [البخاري] تالله إنّ القارئ وإيانا لحسن هذا الموقف وما يعبق به من حبٍّ، ليفيض قلبه غبطةً على ما نال أبو بكرٍ من صحبة خير الأنام.
وفي سنن الترمذي بسند حسنه بعض أهل العلم أن عمر بن الخطاب لما أراد العمرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنسنا من دعائك يا أخي" ما أطهر روحك يا حبيب الله، فهاهو المعلم كأنما يحكي لعمر حكايتين في حكاية، حكاية الوفاء للصّحبة الصالحة، وحكاية أجمل عهود البشرية ألا وهو الدعاء.
إن أعظم نعمةٍ قد منّ الله علينا بها هي أن هدانا للإسلام، وأن جعل لنا من بين الشرائع شرعة محمدٍ نرتقي بها إلى ما وراء الثريّا.
بنتم وبنّا فما ابتلت جوانــحنا *** شـــــوقًا إليكم ولا جــفت مآقينا
نكاد حين تناجيكم ضمائرنا *** يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
صلى الله عليك يا رسول الله