مع الحبيب - محمد حليماً


قلم : جمانة الياسين



دثّروني ، دثّروني بسيرة أحمد واسقوا جفوني..

حلو الملامح من ملامحه ولا لا تتركوني..

خلف الرحال إذا شددتم إزار نياقكم، إليه خذوني..

لا كحل يحلو دون مرآى قبره بعيوني..

ولا الدفء دفء بعيد الذّكر يا قومي فلتذكروني ،

عند المقام معاتباً طول البعاد وزمّلوني..

بحروف طه يا أكارم زمّلوني..
 

هذا الحبيب، هذا الورادُ الذي ما خاب من أروى ظمأ عقيدته منه، هذا الأنيس لكل من رام الجنان وأدمته مفاتن الدّرب، هذا محمد -عليه صلوات الله وسلامه- 

عندما نريد أن نتكلم عن حلمه فالحلم يا أصحابي يخجل أمامه، فها هو ذا يُبعث نبياً إلى أعارب قد أشربت نفوسهم الجلافة، وما عاد للين فيهم من نصيب، يأتي إليهم بدين النجاة ويبادلونه بأشدّ أنواع الأذى، يؤذونه بأصحابه وأتباعه ونفسه، يتطاولون على الرسالة النقية التي أمر بتبليغها إياهم ليكونوا من الفائزين، يخرجونه وأهله من أحب البقاع إلى قلبه، ويريد الله أن يعود إليها فاتحاً منتصراً، ويقف أولئك انتظار سخطه وغضبه فيفاجئهم بقوله " اذهبوا فأنتم الطلقاء". 

ويأتيه جبريل - عليه السلام- وقد اشتد به الغمّ في يوم العقبة فيقول له: " يا محمّد، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين،(الأخشبان :جبلان في مكة هما جبل أبي قبيس الذي عليه القصر الملكي اليوم، وجبل قعيقعان، وهما مطلان على المسجد الحرام من المشرق).
، فيقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخْرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيء".

سيد الكونين والثّقلين، صلوات ربي وسلامه عليه، كان كظلل الرحمة إذ رمت بأفياءها قلوب العالمين، كان گالأم الحنون يوم أن كان أصحابه كزغب الحواصل لا حضن يضمّهم ولا تحنان، لم يذر قلبا إلا وقد شدّه إليه نافخاً فيه من عطفه وحبّه، هو للغلمان نعم الصديق وهو لخادمه سيّد رقيق. 

فها هو ذا خادمه أنس بن مالك يصوّر لنا أجلّ مراتب حلم رسول الله حيث يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن النّاس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبيّ الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، قال: فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السّوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قابض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: "يا أنيس! اذهب حيث أمرتك"، قلت: نعم، أنا أذهب يا رسول الله. قال أنس: والله لقد خدمته سبع سنين أو تسع سنين ما علمت قال لشيء صنعت: لم فعلت كذا وكذا؟ ولا لشيء تركت: هلّا فعلت كذا وكذا؟". 

كان سليط السيف على أعداء ربه ولكنّه كان أشدّ حلما من أن يقتل نفساً قد يكون لها في الغد من الإيمان نصيب. 
فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: "سحر النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أيّاماً، قال: فجاءه جبريل عليه السّلام، فقال: إنّ رجلاً من اليهود سحرك، عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا، فأرسل إليها من يجيء بها. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّاً رضي الله تعالى عنه، فاستخرجها، فجاءه بها فحلّلها، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنّما نشط منْ عقال، فما ذكر ذلك لليهودي ولا رآه في وجهه حتى مات". 

حبيب الله لم يبعث بأمر يوازي في عظمته عظمة حسن الخلق، فقد اختار من أمته جاراً له يوم تتجاور الخلائق صاحب الخلق الحسن فقال" أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا"، فمنْ رام قرب الحبيب مجلساً فليجاهد القرب منه خلقا وإحسانا.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا

تعليقات فيسبوك
تعليقات بلوجر