رزان خلف
رائحة موت تقترب منا شيئاً فشيئاً، وساوس دنيوية تلغي إحساسنا باقتراب تلك الرائحة، تارة تنفي، وتارة تؤكد أنها ستستحوذ على أنفاسها، تتغلغل بجسدها، بثيابها ،بأنحاء غرفتها، وأي غرفة ستقطنها.
بدت الدنيا تراوغ وتراوغ لتخدعنا أنها ستبقى ولن تذهب بعيداً، ما هي إلا وعكة صحية يمر بها أي كائن بشري، لنطمئن ونختصر الزمن ونعرج على تلك الأوقات كأي وقت عادي مضى..
أوقات لربما كان علينا أن نقضيها بقربها، لنفرح قلوبنا شغفاً بها ولرؤيتها، ولكن للأسف استطاعت الدنيا أن تغلبنا بوساوسها، وقضي الوقت دون أن نلقي له بالاً، ضاعت منا لحظات من عمرها الذي انتهى، لم نلمس يديها المجعدتين، لم ننظر لوجهها الشاحب المصفر ملياً، لم نترقب ضحكاتها المليئة بالاستسلام للموت، وترحيباً بملك الموت الذي صاحبها لأيام عدة، لطالما كانت تأن، لم أحس بأنه أنين ألم، وإنما أنين وداع، أنين اكتفاء من الحياة..
لم يكن بيدها إلا ندائنا بأنينها، فروحها تعلقت بإحدانا، لاأدري من هو بالضبط أهي أنا؟ أهي أمي؟ أهو عمي؟ أهو ابن عمي؟ الذي أدركه أن حال اكتمال العدد ورؤيتنا جميعاً بدأت تصافح ملك الموت الذي رحبت به لأيام، هل كانت تستعجل قدومه؟ أيعقل أنها ملّت منا؟ أيعقل أنها لم تكن ترغب برؤية المزيد منا؟ من حياتنا؟ أيعقل أنها لاتملك لو القليل من الشغف والفضول لرؤيتي بفستاني الأبيض؟ لاترغب برؤية أخي وهو يكبر ويتزوج؟ وأبي وهو يفرح بنا ؟؟! ألم ترغب برؤية حفيدتها الطفلة الصغيرة بيومها الاول بالمدرسة ألم ترغب؟ وترغب وترغب وترغب !!! أسئلة لاتنتهي ولن تنتهي تدور بذهني كحلقة مغلقة ..
أصبحت كالملاك بمخيلتي لا أستطيع تذكر أي سيئة لها، فهي كالملاك الأبيض لا يشوبه شيء.
رحمك الله يا جدتي
التدوينات المنشورة في قسم "بأقلامكم" لا تعبر بالضرورة عن زيزفون