قلم : سمية عبد الرازق
الله أكبر ..الله أكبر
الله أكبر ..الله اكبر ...
وارتفع ذاك الصوت الرخيم ليصدح في أعالي السماء، وينزل إلى القلوب في الأرض، فيذيبها شوقاً وقرباً ولذة قرب الوقوف بين يدي الله .فحينما يقترب موعد الأذان يلتفت النبيّ لمؤذنه ليقول : "ارحنا بها يا بلال". ] أبو داود [
أيا بلال ..يا من نطقت بـِ "أحد أحد" ليس بأمر من أحد، إلا أنك شعرت ووقر في قلبك أنّه واحد أحد فرد صمد، لا ندّ له ولا ولد !إنها الوحدانية التي ملأت قلبك وأزالت لباس العبودية، ودثرت كل المعبودات معه، فأضحيت بين ليلة وضحاها حراً طليقاً بأيدي عبيد !
ولا عجب أن تشتاق الجنّة لأمثالك فقصّتك وحكايتك خلّدت ذكراك عند المسلمين، وما أن تسمع باسم بلال حتى تتذكر الآذان وكأنّ الآذان اختصّ به، هي علاقة لبلال بن رباح دون الصحابة أجمع .
لم يزل بلال يتقرّب الى الله بخلواته حتّى يأتي ذلك اليوم الذي يحدّث به الرسول صلوات الله عليه صحابته فيقول:" دخلتُ الجنةَ ، فسمِعتُ خَشَفَةً (أي حركة وصوت) بين يدَيَّ ، فقلتُ : ما هذه الخَشَفَةُ ؟ فقِيلَ : هذا بِلالٌ يَمشِي أمامَكَ " ]الألباني[ ، وحين سأل النبي بلالاً مستفسراً بأرْجى عمل عمله في الإسلام قال : " ما عملتُ عملًا في الإسلامِ أرجى عندي منفعةً ، من إني لا أتطهَّر طهورًا تامًّا ، في ساعةٍ من ليلٍ ولا نهارٍ ، إلا صليتُ بذلك الطهورِ ، ما كتب اللهُ لي أن أُصلِّيَ"] متفقٌ عليه[
وكان بلال من الصحابة الذين شهدوا المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يلازمه ويؤذن في حضرته، وما أجمله من شعور يبتدر القلب فيشعل وطأة ظلامه.. فصوته كان علامة مسجلة في أذهان من حوله، بأن بلال لا يؤذّن إلا في حضرة النبيّ الكريم وياله من تكريم وياله من مقام عظيم !
فبعد وفاة النبي واستخلاف المسلمين أبا بكر الصديق اختار بلال طريق الجهاد في سبيل الله، ومضت الأيام حتّى فتح الخليفة الفاروق بيت المقدس فما كان منه إلا أن طلب من بلال أن يؤذن لهذا الفتح كما أذّن من قبل يوم فتح مكّة.
فشرع يؤذن بصوته الشجي الممزوج برائحة الحزن والشوق للنبّي عليه الصلاة والسلام، وما أن سمعوا صوته حتى بدأ الجميع بالبكاء وكان أشدهم عمر، فقد تذكروا الأيام الخالية وتذكروا النبي صلوات الله وسلامه عليه وكان هذا اخر آذان لبلال مؤذن رسول الله !
وأقبل الموت يزفّ بلالاً -بإذن الله- إلى الجنّة للقاء أحبته وصحبه هناك ليلتمّ شمله وتسكن روحه عند بارئها، ويومها قالت زوجته: " وا حزناه! "، فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت وقال: "لا تقولي واحزناه، وقولي وافرحاه، غدا نلقى الأحبة، محمداً وصحبه".
توفي بلال في الشام كما أراد، ودفن في دمشق سنة 20 هـ، وقبره هناك. كما يوجد مقام له في "قرية بلال" في ضواحي مدينة عمان في الأردن.
لك يا بلال منّا السّلام والوّد ..فطوبى لمن لحق بالركب والتزم بالعهد وصان أمر الرب.