قراءة : أصالة البطاينة
في مقالي هنا، أتناول أحد روايات (الملهاة الفلسطينية) وهي " تحت شمس الضحى ".
ينقل هذا العمل الواقع الفلسطيني كما هو، من خلال قصة البطل "سليم نصري" الذي يتقمّص شخصية معتقل فلسطيني سابق في السَجون الإسرائيلية وهو "ياسين الأسمر" في مسرحية من إخراج وتمثيل " سليم نصري" نفسه، فيستغلّ "سليم نصري" عمله هذا فيلبس شخصية "ياسين الأسمر " بالكامل حتى في حياته اليومية، إلى درجة تقليد مشيته العرجاء بعد التعذيب الجسدي الذي تعرّض له "ياسين" في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
لا يسعك بعد البدء بالرواية إلّا أن تقع بالكامل بحبّ شخوصها، في محاولةٍ منك للمسِ واقعهم وعيشه معهم. تسلبُ الرواية لبّكَ فتقرأها بمدّة قصيرة جدًا؛ هذا لأنه "إبراهيم نصر الله" يجذُبكَ بأسلوبه المذهل في السرد والتنقّل بين شخصيات الرواية، وقفزه بمهارة فائقة بين "المونولوج والديالوج"، ربّما لن تستطيع ترتيب الأحداث بتسلسل حدوثها في عقلك، فتسأل نفسك هل هذا ما أراد الكاتب إيصاله لي؟ أن تسلسل الأحداث والتفاصيل الصغيرة التي تكون عادةً مهمّة في الروايات ليست مهمة هنا بقدر أهميّة أن تعيش الواقع الفلسطيني وتشعر بمعاناتهم وألمهم، وهذا ما يثير اهتمامك وقد يربكك أحيانًا فيجذبك أكثر!
الأسرة هنا هي قلب الرواية، والحب الذي يكمن بين سطورها ستشعر به حتمًا، الألم الذي سيغزوك في بعض الفقرات ستتذكره لمدة طويلة وقد لا تنساه، والصبي " نمر" ذو الستّ سنوات الذي يظهر في الرّواية ويردّد في المرتين اللتين احترق فيهما كتابيه المدرسيين بسبب غارات وقنابل الاحتلال: أن "مستقبله قد ضاع"، في إشارةٍ من الكاتب كي ينقل لنا واقع فلسطين بعد مرحلة "أوسلو " والانقسام الذي حصل في المجتمع الفلسطيني.
أنهي مقالي باقتباسي المفضل من الرواية:
"هذه المساحة دائمًا هي كونك الصغير، ترتّبه: هنا مصباح هو بمثابة شمسك الصغيرة، حوض نعناع وداليّة يؤكدان وجود الأرض والحقول خارج أسوار التّنك، نافذة تستدعي الفضاء، وإن كان ثمّة أُسرة، فهي عالمك الصغير. فكما تعرف، لم يكن باستطاعة الإنسان في أي يوم من الأيام أن يحتضن الناس كلّهم دفعة واحدة، ويدافع عنهم كلّهم دفعة واحدة، يردّ عليهم أغطيتهم إن بردوا دفعة واحدة، يتكفّل بإطعامهم، أو إرواء عطشهم دفعة واحدة. كان لا بدّ من وجود هذا العدد القليل، الذي قد يكون أسرتك أحيانًا، أو أصدقاءك، حتى تقول بهم للبشر: إنك تحبّ هذا العالم".