الصحافية الكفيفة وردة.. ورحلة البحث عن النور

تقرير: منى حجازي- غزة



لم تر وجه الشمس وﻻ شفق الغروب منذ عقد من عمرها حتى ظنت أن أمواج البحر قد إبتلعتها الأرض، وأن حبيبات المطر لم يبق منها سوى سيمفونية صوتها ضمت أجفانها، وتركت العنان لبصيرتها تعانق السماء، وظلت تنتظر ربيعاً يأتي ليزهر الأمل فيها وينير قلبها، ولم تفكر يوماً بالإنحناء أمام إعاقتها البصرية ورهبة الظلام.

تحدت وردة كل الصعاب التي لم تتوقف بعد حتى استحقت بجدارة لقب "صحافية" بعد إلتحاقها بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية بغزة وانخراطها في مجال التدريب الميداني، لتكون بذلك أول صحافية فلسطينية "كفيفة"، ومن الصحافيات الكفيفات القلائل في العالم

ولدت وردة موسى الشنطي عام 1992م، من عائلة فلسطينية يعود أصلها لقرية الجية المعروفة إجتماعياً، درست المرحلة الابتدائية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" حتى الصف الرابع الابتدائي.

ترعرت ونشأت بين أزقة مخيم المغازي للاجئين وسط قطاع غزة، "حيث شاء القدر أن أفقد البصر نتيجة إصابتي بتليف شبكي نادر يصيب شخصاً واحداً من كل مليون شخص". 

حادثة إبريل

تتابع: "حاول والدي معالجتي في المشافي داخل أراضينا المحتلة بما فيه الكفاية ولكن لا جدوى، فالأمر كان يزداد سوءاً، مما أدى لفقدي البصر في يوم جمعة من شهر نيسان 2002م، حيث ودعت صور الحياة، واكتفيت بسماع ضجيجها، فآذاني هي عيوني وسمعي".

"درست بعد كف البصر في مركز النور للمكفوفين التابع لوكالة الغوث حتى الصف السادس الإبتدائي، ثم أنتقلت للدراسة في المرحلتين الإعدادية والثانوية في مدرسة النور والأمل الحكومية، أما الثانوية العامة فدرستها في مدرسة شهداء المغازي للبنات، وحصلت على معدل (86%) رغم أنني كنت أرنو للمزيد".

طموح وإصرار

"كنت أطمح لدراسة الصحافة، وإجتياز تخصص لم تجتازه إحدى الكفيفات؛ لكي أكون أنموذجا يكسر - لمن بعدي- حاجز الخوف والتردد من الوصول رغم المعيقات".

إمتلكت وردة إصرارا "فولاذيا" مع وجود المحبطين الذين عارضوا واستغربوا وحاولوا منعها من الإلتحاق بمهنة الصحافة دراسة وممارسة، "لكنني سجلت تخصص لغة عربية فرعي صحافة بالجامعة الإسلامية بعدما إستسلموا أمام إصراري وقوتي".

تضيف: "كانت من أجمل مراحل حياتي اجتزت ثلاث سنوات وها أنا في السنة الرابعة وقد شارفت على الانتهاء، وأتمنى أن أنتقل لدراسة الماجستير في الجامعة والحصول على شهادات أكثر في مجال تخصصي".

لا للمستحيل..!

"للجامعة وكوادرها فضل كبير علي وعلى زملائي من أصحاب الإعاقات البصرية؛ بتوفيرها بيئة جامعية مريحة تتناسب إلى حد ما مع إحتياجاتنا، وإسهاماتها في تأهيلنا، ودعم قدراتنا، ومساعدتنا على الاندماج والتفاعل بشكل أكبر، وأفضل مع المجتمع والعالم الخارجي، فلها كل الشكر" هذه رسالتها للجامعة التي احتضنتها.

وبالعودة لما أنجزته وردة خلال دراستها الجامعية تقول: "تدربت في إذاعة "فرسان الإرادة" على التقديم الإذاعي فكنت أجد فيه قوتي ومهارتي، إلى جانب إعداد تقارير صحفية متنوعة الموضوعات ضمن مساقات التدريب، ونشرت لي أعمال في جريدة صوت الجامعة كتجربة أولى أمارس فيها العمل الصحفي؛ كانت تجربة رائعة وممتعة كوني أكتب أنا وزميلاتي في ذات التخصص".

وأحبت الصحافية وردة الكتابة لأنها "تنقل صوتنا للجميع ونحن على مقاعد الدراسة، وتحفزنا على التواصل مع فئات المجتمع، وملامسة واقع الناس ومعاناتهم وآمالهم؛ لنقلها إلى صناع القرار، وتابعت رغم المعيقات إلا أنني نجحت وبمساعدة رفيقاتي في إعداد مقابلات صحفية ميدانية".

تجربة تلفزيونية رائدة..

وماذا عن مجال الإعلام التلفزيوني؟ تمكنت وردة من تحقيق تجربة فريدة في التقديم التلفزيوني، وتسجيل حلقة تلفزيونية تصفها وردة بقولها: "شعرت بإستمتاع بعد حالة من التوتر ولكن كنت أظن أن العمل التلفزيوني مستحيل والدخول به صعب إلا أن الحوار التلفزيوني الذي أجريته أنا مع أحد المختصين أثبت لي أنه لا يوجد مستحيل وأن درب الأشواك دائماً مكلل بالورود".

وكانت تجربة وردة الأولى في التقديم التلفزيوني، خلال أحد المساقات الدراسية، عندما سجلت حلقة حوارية مع د.مشير عامر المحاضر بقسم اللغة الإنجليزية بالجامعة الإسلامية حول الخطاب الإعلامي الدولي من قضية القدس المحتلة وسياسات الإحتلال بحقها، وهو حوار نال إعجاب وتقرير كل من شاهده وتابعه. 

وتتميّز الصحافية الشنطي كذلك بشغفها بالتكنولوجية الحديثة حيث تسخرها في حياتها الاجتماعية والمهنية ولها حضور لافت على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركات في مجالات عدة. 

"رسالتي أن تخطي الصعب ليس مستحيلاً، وأن الإرادة والعزيمة وقود أرواحنا ورصيدنا لتحدي المعيقات وعقبات الحياة". هكذا هي رسالة وردة وكأنها تخط منهجا لكل من يتحدى الظروف ولا يستسلم للمعيقات.

شارك الموضوع

إقرأ أيضًا

تعليقات فيسبوك
تعليقات بلوجر