بأقلامكم - أحلام مبتورة


خزامى عبابنة




ألقت بقلمها على الدرج أمامها، وزفير الحرب لم يغادر أذنيها بعد، التهمت الضوضاء وغشاوة بيضاء تغشى ما تبقى من نور عينيها، المرايل الزرقاء من حولها لا تنهض ذكرى الساحل، ولا تمطرها الغيوم الصيفية.

لم تعرف كيف بدأ كل شيء، لم تفهم أي شيء مما قيل حولها، أن هناك حرباً من نوع آخر يذهب ضحيتها الأطفال، أمها مسها الجنون، أخذت تحزم الأمتعة، وقطرات العرق تهطل باردة من جبينها، أبوها يجهز القبو مع جيرانهم، انسلت من بينهم لتبصر المأوى الجديد، حيز صغير يفي بالغرض، جارتهم سعاد تحوقل وهي تضرب الكف بالكف، رائحة الرطوبة اقتحمت أنفها الصغير، والعتمة كانت سيدة المكان، رمقها، فأسرعت لتساعد في حمل الأمتعة، لم تلبث أن ولجت من الباب حتى كان صوته مهزوزا يأتيهم من الخلف: "لقد بدء القصف أسرعوا"، لم يكمل أحدهم ما بيده، كانت الصورة ترتج أمامها، وكلهم يهرلون إلى الأسفل.

أصواتهم من حولها تناديها: " ندى، ندى"، من تحت الركام تبصر شعاع النور ينسل إليها هزيلاً، ورائحة الموت تزكم أنفها، وصورة الدماء والرماد تغطي جسدها.

الألم يلفها، تراود نفسها عن الصراخ الأخرس، يتراكضون من حولها، ضوضاؤهم وهدير الحرب والأنوار الحمراء والزرقاء تتراقص أمامها في غشاوة بيضاء كنهاية مفتوحة، الغشاوة التي غطت عينيها والضمادات التي غطت الكثير من جسدها وتلك القدم المبتورة والعويل في القاعات المليئة بالجرحى والجثث، لم تكن لتمنحها رغبة في الحياة بل كانت عبئاً أخرى تثقل كاهلها، الزرقة فارقت السماء وهوت الطيور والمآذن والأبرياء.

أحلامها المرصعة فوق جدران غرفتها، أنفاس عصافيرها الملونة ونجومها الذهبية، قصفتها طائرات تحلق فوق ارتفاع منخفض، تهوي بحلوى العيد وتنهش الأجساد الغافلة، صوت أخيها يأتيها من شرفة منزلها: "تعالي، طيور كبيرة تحلق فوق بيتنا، إنها تلقي بحلوى" لم يتم الصغير كلماته وقد سقط في الرماد، دوي القنابل والصواريخ غيبها عما يدور حولها، يدها لم تستطع أن تمسك بيده وهو يهوي، والأرض قد لتبتلعهم وسط الجحيم، يدغدغ مسامعها صوته: "حلوى"، أبصرته وهو يشير إلى السماء الزرقاء والطائر الكبير يحلق فوق البيوت الآمنة هدايا تمطرها السماء إنها حلوى العيد.

اهتز كل شيء، لم يتشبثوا بيد الحياة، جيرانهم، صحبة الطريق، مدرستها، عم سامح وحبات الطماطم الحمراء المستديرة، أجراس الكنائس، مئذنة حيهم، جميعها غابت عن مشهدها اليومي، كلها هوت معا، ما عادت تقوى على إدراك أي شيء، كتب الجغرافيا وعلم التضاريس سويت بالأرض لم تعد هناك أي تفاصيل تذكر، صوت أمها يرن في أذنيها: "ندى أحضري الخبز"، أخوها الصغير يتشبث بثوبها الوردي وهو لا ينفك يحلق بطائرته الصفراء الصغيرة، عينه تسبقه في الكلام، تلك الاستدارة تمنحه مزيداً من الحب وقبلة ساخنة، "ولك على حسابي حبة حلوى"، يلحقهما صوت أمهما: "لا تطيلا المكوث في الخارج الجو يزداد برودة إنه تشرين"، لم يتوقف الصغير عن الكلام واللهاث وراء طائرته المحلقة في يده على ارتفاع منخفض، يتناول حبات الحلوى يحشو بها طائرته ملونة براقة "أريدها أن تمطر حلوى"، رائحة الخبز ورائحة الاطمئنان تعزف على أوتار أمنية الصغير بحلوى العيد.

أفاقت سريعاً على صرخات من حولها، انتشلتها يد ما حملتها بسرعة، وضربات قلبه من تزفها، ودوي القنابل يهز جدران المكان، فلا ترجع إلا صرخة الموت، غابت عن الدنيا وهي ما زالت تلهث : "ندى اكتبي على السبورة" أرادت أن تتصالح مع الحياة وأن تتحالف مع القدر بهدنة ما، تحمل أي رسم يضمن لها الأمان، أرادت أن تكمل رسمها وتملأ الفراغات الكثيرة، لكنها هزيلة، سقطت، لم تكن قدمها الواحدة لتمنحها فرصة الصمود فقد هوت.

عويلها، الركام، الضجيج، الغشاوة فوق عينيها جعلتها تدور في دوامة الحرب من جديد، لم يعد جسدها طوعها، فقد انتفضت كما انتفضت الأشلاء المبتورة، وعادت لتحمل الرصاص من جديد، كما يهوى صبية حيهم لعبة الحرب، تمسك بذيل أحلامها و دميتها ذات الرداء الوردي، المطرز بقطعة ذهبية وشريط أحمر يزين شعرها الأشقر، لكنها عبثاً تمضي في طريق مسدود تجر قدمها المبتورة، لم يتبق منها غير الشريط المقطوع والطيف البعيد:

-"لم تفق بعد؟"

-"لا أدري!!"

أفاقت ودويّ القنابل يداعب أذنيها، وهي تتراقص على أوتار الفزع، "هاهي قد فتحت جفنيها، الحمدلله أنك بخير، ذهبت عنك الحمى"، نظراته الهاربة من المكان تشعرها بالخوف، المزيد من الأنفاس حولها تنتهي بنحيب، كل الأماكن هي هدف للقصف، الهروب إلى حيث السماء الزرقاء هو الأمل، لم تستطع بلع ريقها، تناولت شربة الماء وابتلعتها ككوز صبر، لم تتكلم ولكن وخز الرصاص في الخارج والأصوات العالية انتهكت حرمة ملاذهم، قدمها المبتورة وجسدها الوهن لم يساعداها على الفرار، الكثير من النساء كن حولها عندما دار مصباح يدوي في الظلام، ضحكات مجنونة هي التي كانت تقودها مع الكثيرات وهن مكبلات الأيدي، أغمضت عينيها عندما رأت النور الملبد فيه الرماد، لكنها أدركت أنهن أصبحن اليوم سبايا لهؤلاء، ومن فوقهم القصف يسوي لهم الطرقات.

لقد كانت ضمن عشرات من العيون المليئة بالدموع والأجساد المرتجفة، لقد بكت الكثير لن ينفعها أي صبر حتى وإن كان صبر يعقوب وأيوب معا.

لم تصدق عينيها وهي تقرأ ما كتبته سلمى على باب حجرتها بخط أنيق"هنا شقيقتي من سورية ندى" أخيرا وجدت ملجأها بعد أن أضناها التعب، عن أي حرية مغتصبة ستسأل؟؟ أتعدو؟ أتتسابق والرمال لتلتهم الضوضاء، صبرها ووعثاء الرحيل؟ أتبارح طفولتها على عجل؟ وتنهب مسيرها كيتيمة مبتورة القدم؟؟ وقد مرت على ديار الأحبة مودعة، فكل الشوارع وجهتها وكل الأرض قبلتها، وكل البيوت ضالتها، سلمى جعلتها شقيقة لها آوتها إلى حجرتها وقاسمتها سريرها البني، ضحكاتها امتدت إلى ما وراء الأفق، لكنها بقيت تجري في متاهة لم تفارقها ، لم تحررها بعد.

لقد شاهدتهن وهن يُصلين الصلاة الأخيرة قبل الذبح، كان بكاؤهن يبكي السماء، لكنها لم تبك سوى البراميل والصواريخ، دورها قد حان لكنها لن تذبح، همست إحداهن:"سنعلن العصيان، سنضربهم، سيصفعوننا، ستعمُّ الفوضى، قبيل الظلام تكونين قد غبت في رمال الصحراء" قدمها المبتورة والمارون على رمل صحرائها دونوا بدمائهم اغتصاب أحلامهم البكر وهي ذابت وإياهم في الغياب، في زمن ما كانت تهوى كتب الرعب ورواياته ولعنة الساحرات، أكن هن من يُسيرن لعبة الحرب وقرصنة الموت في بلادها؟ لم تعد تهوى الصور الملونة فقد اختزلتها باللون الأسود، تتسابق والكثبان الرملية والأقدام الفزعة، لم تعد الألوان تستهويها لقد هوت من مستطيل الصورة إلى سجن بلا حدود، النور السماوي خبأ وقد زاحمه رماد الحرب، دويّ القنابل والسماء الملبدة بغيم أسود تتبعهم بحلوى العيد بل ببراميل منها، لم تعد تقوى على النظر للخلف وهي تذوب كتمثال ملحي، عرقها يثير لذة الألم في قدمها المبتورة، لم تعد تستطيع رؤية جسدها وهي تزحف على غير هدى كثعبان أصم على الرمال الملتهبة، إلى من ستمد يدها وقد دفنت كل رفاق الأمس؟؟ الموت بحر تبحر فيه بلا سفن و زوارق وقد أضاعت طوق نجاتها، لحظة هي بين الموت والحياة التي تتراءى بغشاوتها أشباحهم أم لصوص الحياة أم خزنة جهنم؟؟ أيا كانوا فهي بين يدي أحدهم، هل ستكون بعد هذا بأمان؟؟

لقد تعلمت أن ترسم للغياب صوراً كثيرة باللون الأسود مع فسحة صغيرة من البياض، لكنها عندما رسمتهن، رسمتهن بكل الألوان، سعاد وسلمى، هيام وسحر وأسماء أخرى قد أنستها في مخاضها العسير لعبة الغميضة، وهي بالكاد تتراقص ذبالتها الناعسة أمامها، لعبة الشطرنج صارت ضالتها، إنها لعبة الحرب والانتصار، منطق المنتصر لن يهزمها، لن يهرم أيامها وكتابها، ستمضي وعيناها معلقة بالماضي، ومازالت ضوضاء الحرب شرخاً في ذاكرتها، كأوراق خريفية، تساقطت أحلامها مبكرًا وغاص لهاث الصغار وراء الشمس الأرجوانية، وأناشيد الحرية مازالت تصحو وتنام، كان عليها أن تتذكر فاتورة فقدانها لأهلها ويتمها، ليس بين الحرب والسلم خط فاصل لتذوب الأرواح في هدنة.

غاليليو قد اخطأ حتماً عندما جزم أن الأرض تدور في فلك الشمس، لكنها لم تكن كذلك، لم تكن الأرض كما زعم، بل كانت بلادها من تدور في فلك الموت والقصف يقتلها حيث يشاء، بقيت تبحث عن ماضيها عبثاً، وحيدة عند شجرة الخروب التي تحمل غرابيب سود ووحشة المكان، أنهكها السعي وراء فلول النهار وصفحات الليل تهوي سراعاً لتغلق ما تبقى من فهمها، ولكن من حولها يقدمون لها طبقا مزركشا نقش عليه"نحن معك".

زيزفون تُجيب

 

حوار : بتول الطاهر




زيزفون، مجلة عربية لطيفة، ظهرت وأنتجت بأيادي خيّرة، وهدفت إلى خلق منبر للشباب المبدع، ليتمكن عن طريقها من التعبير عن نفسه ورصد ما يدور فيها من أفكار.

وهاي هي اليوم، قد أتمت العام الأول لموقعها الإلكتروني-بعد أن قررت إطلاقه لتواكب متغيرات العصر وخصوصيته-، فلنشهد جميعاً في هذا اليوم تفتّح الزهرة، ونرقب فرحين الخطوة الثانية للطفل المدلل الأول لعائلة زيزفون.

وهنا تقرير صحفي أعددته لتعريفكم أكثر بزيزفون.


عند التعريف بزيزفون، كيف يمكن اختصار المفردات والتعريف عنها ببساطة؟

زيزفون هي مجلة إلكترونية عربية منوعة، تكتب بأقلام شابة.


الاسم جذاب وغريب، ما هو الزيزفون، ولماذا "زيزفون" تحديداً؟

عند بدء العمل في هذه المجلة أمضينا وقتاً لاختيار الاسم، فكنا نناقش خيارات عدة، حتى قدر الله وجاء خيار "زيزفون" وقد لاقى قبولاً بالإجماع تقريباً، فكانت زيزفون. أما بخصوص المعنى فالزيزفون هو اسم لإحدى الأشجار المعمرة، وتمتاز هذه الشجرة بعدة سمات أبرزها الفائدة الطبية. وكنا كلما تعرفنا إليها أكثرازدادت قناعتنا بهذا الاسم.

للتعرف أكثر على شجر الزيزفون


ما هي المواضيع التي تتحدث عنها زيزفون؟

تتصف زيزفون بالتنوع، فلا تختص بمجال أو قطاع معين، لتلبي الأذواق المختلفة وتتيح فرصة أكبر للأقلام والعقول متباينة الاهتمامات، فلدينا أقسام منها الديني والعلمي والثقافي، كما نتطرق لأمور اجتماعية وحياتية، وبعض الفن والسياحة وغيرها.


ما الذي سيجده قارئُ زيزفون؟

سيجد –بإذن الله- مواضيعاً تلقى اهتمامه وتلبي حاجاته، وقد حرصنا أن تكتب بلغة سلسلة وبأفكار مترابطة، ثم زودناها بكل ما يمكن أن يساهم من وسائل في وصول صورة أشمل وأوضح.


ما هي رؤيتكم وهدفكم الذي جئتم به إلى القارئ العربي؟

هدفنا هو تقديم محتوى هادف وغني، ليكون أداة فاعلة تعين المرء في تسيير حياته بالطريقة المرجوة منه، وبما يرضى الله تعالى.


لم تكن زيزفون بهذا الشكل من قبل، ما التغير الذي طرأ عليها، ولماذا لجأتم إليه؟

نعم، ابتدأت زيزفون كمجلة إلكترونية تعتمد شكل المجلات الورقية، لكننا قررنا تغير الشكل إلى موقع أو مدونة حتى يوفر سهولة أكبر للقارئ من ناحية التصفح والقراءة، واختياراً ما يناسبه من مواضيع، كما أنه يحقق تفاعلاً وتواصلاً أكبر مع الزوار.


المجلة تضم أقلاماً شبابية جميلة، كيف استطاعت المجلة استقطاب تلك المواهب؟

شكراً على الإطراء. بدأنا بالمعارف والأصدقاء من حولنا، وهؤلاء ضموا غيرهم، ثم بدأنا باستقبال عددٍ ممن طلبوا المشاركة معنا.


ما هي أم الميزات التي ترونها في زيزفون؟


العامل الأهم في نظرنا والذي أسهم بشكل كبير في ظهور هذه المجلة بالشكل الذي ترون، هو تنوع فريقها في جوانب عدة، هذا التنوع الذي أسبغ ألواناً مختلفة على المجلة، وكذلك في نفس الوقت تجد بينهم اتفاقاً عاماً على المبادئ والأفكار التي تقوم عليها المجلة.


صف زيزفون بكلمة واحدة.


لأجل هذا السؤال قررنا أن نسأل عدداً من أعضاء الفريق، ليخبرنا كل منهم بكلمة يجدها تعبر عن زيزفون، فكانت الإجابات كالتالي: إنجاز، قوس مطر، ملهمة، لطيفة، نشاط، حلم، ينبوع حياة، إبداع. 

بأقلامكم - على غُصن الزيزفون



يا فطرةَ الإلهامِ نحنُ ويا ضُحىً
أسرى مع الإصباح لحناً شامخاً وفنونا

 يا نطفةَ الحبرِ العريق في بِكرِ الحكايا
أسياد حرفٍ إن قاضى المحكّمونا

 كالخيلِ نعدو إن تظافرَ قولنا
والعينُ منا ترتدي ألفاً جفونا

 وأكفّنا خيطت بغرزٍ من ودادٍ
كاللوزِ نحلو كلما ازددنا جنونا

 يا لحنَ سحرٍ في حناجرِ حرفنا
قد ملّ داخلَ صمتنا صمتا، سكونا

 جئنا لننفضَ عن زنابقنا بريقاً
جئنا نراقصُ في عيونكم حباً شجونا

ونقولَ للفجرٍ المقدسٍ إننا
قناديلٌ سمت تعلقُ في سمائكَ زيزفونا 


جمانة الياسين

بأقلامكم - في عيد ميلادها


محمد بتش مسعود /الجزائر





الجوّ رائع هذا اليوم، شعور غريب بالسعادة ينتابني، اليوم عيد ميلاد أمّي.

جلستُ إلى مكتبي، قلمي المنهك أصبح نشيطاً، كتبتُ تاريخ اليوم..أمّاه..سأمحي من أوراقي كلّ ذكرياتي، سأجعل كلّ مساحات دفاتري بيضاء لكِ، سأنسى كلّ أحلامي الجميلة وكلّ ذكرياتي، لأتذكـّر عطفك ورعايتك، قطرات من صدرك الحنون تُنسيني طفولتي وفتوتي وشبابي، تمنعني من الرحيل عنك، تُجبرني للبقاء خادماً لكِ، تقتلني إن قلت لكِ يوماً أفٍ.

بكل البحور سأنظم عنك أحلى القوافي، بكلّ البديع سأنثر أجمل الأفكار، بكلّ الاتجاهات سأرسمك بأحلى الألوان، سأعزف بأحلى الألحان أروع السمفونيات لأجلكِ، ستُبحر كل مراكب احترامي صوب موانئك، سأنكس أعلامي إجلالاً لكِ وأرفع رايات الاستسلام أمامك، سأكتب عن عطفك ورعايتك بأروع الخطوط، وأهمس رافعاً صوتي بكلّ اللغات...أمـّاه .

ثنيتُ الورقة، ووضعتها داخل جيبي الضيق الذي بدا متـّسعاً هذه المرة، كنت أفكـّر في نوع الهدية...آهٍ تذكـّرت، الزهور البريّة، خرجت مسرعاً إلى الحقول، سأجمع باقة مختلفة ألوانها، ممزوجة بعناء بحثي وتعبي، الباقة تحوي صنوفاً من الروائح والألوان، ربطتها وقفلت عائداً إلى البيت، حين دخلتُ كان صوتي أسبق منّي..

"أمّي..أمّي"
"ماذا حدث ياولدي؟"
"أتدرين بما يذكرك هذا اليوم؟"
أطرقتْ رأسها تفكر..لقد تذكّرتْ..إنه عيد ميلادها
"إيه..ياولدي..الظروف أنستني..لقد كبرتُ"

قدّمتُ لها الهدية المزهرة، طبعتُ قبلة على يدها النحيلة، إنه مشهد لخادم يقبّل يد أميرته، ابتسمت، قبّلتني، وودعت لي بالخير، أحسستُ بالسعادة العارمة تغمر جوارحي، أنني أسعد مخلوق، خرجت ُوأنا أردّد في أعماقي..إنّي أسعد مخلوق..إنّي أسعد مخلوق.

التدوينات المنشورة في قسم <بأقلامكم> لا تعبر بالضرورة عن زيزفون 

Zoom In - قبل الطوفان


مشاهدة : نوار طه 

 


“The science is clear, the future is not


شاهدت منذ فترة الفيلم الوثائقي Before The Flood "قبل الطوفان"، والذي كنت حقيقةً بانتظار موعد عرضه، فهو يمس قضايا تثير اهتمامي.

يتناول الفيلم بشكل رئيسي قضية الاحتباس الحراري وتغير المناخ العالمي، وكل ما يترتب عليها من نتائج مؤثرة قد تصل إلى مدمرة إذا لم يتم تدارك الموضوع. بالطبع القضية ليست جديدة، وليس علينا انتظار فيلم ليذكرنا بهذا، لكنه حقاً كان مؤثراً، ومشجعاً لفعل المزيد.

بطل الفيلم هو الممثل الأمريكي ليوناردو ديكابريو، مبعوث السلام في الأمم المتحدة لمكافحة التغير المناخي، حيث نتابع معه رحلته التي يجوب فيها القارات والدول المختلفة، ليرينا مشاهد لأسباب وآثار هذه الظاهرة، وكذلك يلتقي خلالها بعدد من العلماء وقادة العالم والناشطين والسكان.

من زاوية يناقش الفيلم أسباب الاحتباس الحراري، والتي يعد الإنسان سبباً أساسياً فيها، وكيف أن نشاطات آدمية كثيرة في مجالات شتى من شأنها أن تزيد خطر هذه المشكلة. ويستعرض كذلك الدول الأكثر مساهمة في تفاقمها.

ومن زاوية أخرى يوثق المظاهر التي بدأت فعلاً بالتشكل نتيجة لهذه المشكلة، كذوبان الجليد في القطبين، وموت العديد من الكائنات البرية و البحرية، واختفاء مظاهر الحياة من بعض المناطق، وأكثر من ذلك كتدمر بعض الجزر وتشرد أهلها، وغيرها من الأمور المفجعة.

ويتطرق الفيلم لجهود العلماء والمختصين والجهود الدولية المبذولة في محاولة إيجاد حلول لهذه المشكلة والحد منها قدر الإمكان. لكن بالمقابل يواجهنا بالجانب البشع من جهود أخرى تحاول إخفاء المشكلة والتكتم عليها، كعدم اعتراف بعض المسؤولين وأصحاب القرار بوجود مشكلة أصلاً، ووقوفهم ضد سن تشريعات مطلوبة؛ وذلك ليس نكراناً لوجودها وإنما حفاظاً على مصالحهم الشخصية والمادية، ودرّ المزيد من الربح على شركات الوقود الأحفوري وغيرها، غير عابئين بما يحدث لهذا الكوكب. والجزء المروع هو استخدام هذه الشركات بعض المؤسسات (التي يفترض بها أن تكون داعمة للبيئة) وبعض الشخصيات ذوي الشهادات والمخولين بالحديث عن هذا الموضوع، للخروج والقول أن لا مشكلة هناك!

الجانب المشرق والإيجابي من الفلم هو تقديم الحلول المختلفة التي من شأنها المساهمة في حل هذه المشكلة والحد من أضرارها قبل فوات الآوان. منها ما هو على مستوى الدول، حيث يسعى بعضها حثيثاً للاعتماد على مصادر الطاقة البديلة. أو على مستوى المؤسسات والشركات كشركة "تسلا" التي تساهم بإيجاد منشآت صديقة للبيئة. وغيرها من الحلول المقترحة من علماء المناخ والطبيعية، والخبراء الاقتصادين وغيرهم.

الفيلم حقاً يرق له القلب، وتدمع له العين. فلم أعلم هل نأسف على سكان الجزر والدول البائسة الذين تضررت حياتهم أو دمرت بيوتهم وأعمالهم نتيجة هذه المشكلة؟ -وهم بالمناسبة أقل المتسببين فيها- ، أم على سكان بعض المدن الصناعية والذي يغطي الضباب سمائهم فيؤذي صحتهم ولا يمكنهم من عيش حياة سليمة ؟ أم ربما على كل تلك الكائنات الرائعة من نباتات وحيوانات والتي آخذت بالتقلص والانقراض؟

لكن أكثر ما أثار حنقي هو الجشع والأنانية من أولئك الذين لا يرون سوى أنفسهم ومصالحهم غير آبهين بأي كارثة قد تحل! وأكثر المشاهد تأثيراً فيّ، هو ذلك العالم في وكالة NASA والذي شُخص بسرطان منتشر في جسمه ولم يبقى له الكثير ليعيش، ورغم ذلك آثر تسخير ما بقي من حياته لإنقاذ هذا الكوكب الجميل.

القضية ليست مجرد قضية بيئية بحتة، ولا يمكننا القول أن لا مكان لها في أوطاننا بين مشاكلنا الكثيرة، فالموضوع يمس أرواح بني البشر، ويستهدف نواحي أمنية واقتصادية عديدة. وقبل كل ذلك، وقبل كل تلك الدعوات الإنسانية والدولية، فهو موضوع من صُلب عقيدتنا وديننا، ويدخل ضمن مبدأ الاستخلاف في الأرض التي اختارنا الله لإعمارها والمحافظة عليها.

حسنا، ما الذي يمكننا فعله؟


كما هي القاعدة المعتادة، كلٌ حسب قدرته وموقعه، قدر ما تستطبع يمكنك المساهمة في حل هذه المشكلة. ورغم إشارة الفلم أن الجهود الفردية وحدها لم تعد تجدي، وبتنا نحتاج تحركاً أكبر، لكن بالتأكيد جهودك أنت وغيرك ستغير الكثير. فمن أهم الحلول التي ركز عليها الفيلم وجعلها منطلقاً، نشر الوعي لدى الشعوب بحجم هذه القضية وأهميتها، لتتمكن من الضغط على حكوماتها ومؤسساتها لإحداث التغيير.

يمكنكم الإطلاع على هذه الحلول وغيرها من خلال الموقع الرسمي للفيلم. ستجدون بعضها خاصاً بسكان الولايات المتحدة الأمريكية، لكن أيضاً هناك بعض الاقتراحات التي بإمكانك تطبيقها على نفسك وفي منزلك، واستمارات اعتراض لتسجل اسمك بها وغيرها.

ونهايةً، ربما لن نشهد الآثار المدمرة لهذه المشكلة اليوم، لكن هل هذا يعني أن على أولادنا وأحفادنا ذلك؟ وبفعل ما ارتكبت إيدينا؟!

"إن العالم يشهد الآن، إما ستشيد بكم الأجيال القادمة، أو أنها ستذمكم، أنتم الأمل الأفضل والأخير على الأرض، ندعوكم لحمايتها أو سنكون وجميع الكائنات الحية التي نحبها من الماضي"

لمشاهدة الفيلم كاملاً مدبلجاً للعربية من هنا

وللعرض الترويجي هنا