قراءة : رغد الطوخي
الحديث عن المعانة الفلسطينية في رواية أو قصة ليس بجديد في عالم الكتابة، فمأساة الشعب الفلسطيني تدُكُ أوتادها في قلب كل كاتب وشاعر وتحث قلمه بأمر من قلبه بأن يكتب.
كانت قصة رجال في الشمس للكاتب والسياسي والروائي غسان كنفاني تستلهم موتاً فلسطينياً من نوع آخر، تطرح التشرد والموت والحيرة بعد شتات الأنفس وضياع الأرض وهدم البيت على يد اسرائيل في نكبة 1948، ليكون هنالك موت يتمُ الموت الأول و تشرد يمزق الجسد الفلسطيني من جديد .
تروي رجال في الشمس حكاية ثلاثة فلسطنيين من أجيال مختلفة، يلتقون حول ضرورة إيجاد حل فردي لمشكلة الانسان الفلسطيني المعيشية عبر الهرب للعراق وصولاً للكويت حيث النفط والثروة. أمّا شخصية الرجال الثلاثة، الأولى هي شخصيّة "أبو قيس"، رجل عجوز كبير في السن، قرّر الهجرة حتى يحقق لقمة العيش له ولأولاده، ليحصل على النقود ليشتري بها شجر زيتون بدل الذي ضاع منه. والثانية هي شخصية "سعد" وهو شخص سياسي ومناضل يهرب من البلاد حتى يحصل على حرية أكثر، وهي شخصية الفلسطيني المُطارد. أمّا الثالثة فهي شخصية "مروان"، وهو المعيل الوحيد لأسرته والذي يقرر الهجرة هرباً من المسؤولية التي تقع على عاتقه.
تكمن حبكة القصة في آلية الوصول عبر الصحراء للكويت في فصل الصيف تهريباً، على يد سائق خزان يدعى "أبي الخيرزان"، وصمتهم الذي طال دهراً داخل الخزان خوفاً من أن ينفضح أمرهم، وعنادهم وإصرارهم أنهم قادرون على التحمل أكثر لغايات الوصول وتحقيق المراد .
كانت الخاتمة مفجعة في موتهم في تحملهم الذي جاوز حده ..
ليكون سؤال أبي الخيزران في آخر سطر بالرواية "لماذا لم يدقوا باب الخزان ؟ " بوابة لمحاكاة القارئ في ماهية الشعب الفلسطيني وصبره .. في ذاك الجبروت الفلسطيني الذي قاوم الشهقات الاخيرة للحياة داخل الخزان، كان ذلك ما أوقعه السؤال في نفسي كقارئة، ولتعجبني إجابة كثير من النقاد على ذاك السؤال بأنه صمتٌ لا يفيد، نحن نحتاج لنضالٍ ومقاومة لا التزاماً بتعليمات أبي الخيزران ذو الشخصية الفذة في الخزان للوصول لمبتغانا، وقد وجدت إجابات شافية في روايات الكنفاني اللاحقة التي تتمثل بالنضال والمقاومة كعائد إلى حيفا وغيرها.
استهوتني رواية رجال في الشمس برمزيتها المعبرة البسيطة، حيث أوصلت القارئ لخلاصة كافية عن الحال الفسطيني بعد الشتات بِعدَة نماذج إنسانية في قصة قصيرة تُتمها في جلستين لا أكثر وتجرك لسلسلة قصصية جميلة من إبداع كنفاني .
قد تكون رواية رجال في الشمس اختياراً موفقاً لطفلك؛ فهي قصة تحمل الكثير من الدلالات الفكرية التي يجب غرسها في أطفالنا بالإضافة لالفاظها السهلة والمعبرة وقلة صفحاتها.
" أراح أبو قيس صدره فوق التراب الندي، فبدأت الأرض تخفق من تحته. ضربات قلب متعب تطوف في ذرات الرمل مرتجة ثم تعبر إلى خلاياه. في كل مرة يرمي بصدره فوق التراب يحس ذلك الوجيب كأنما قلب الأرض ما زال "