قراءة : أصالة البطاينة
"الذكاء عاهة، تماماً كما يعلم الأحياء بأنهم سيموتون، في حين لا يعلم الأمواتُ شيئاً. أعتقد أن كون المرء ذكياً أسوأ من أن يكون أحمقاً؛ لأن الشخص الأحمق لا يفهم، في حين أن الشخص الذكي وإن كان متواضعاً ووضيعاً مرغمٌ على ذلك".
طيلة قراءتي لهذه الرواية، كانت تعبر في ذهني العبارة التي وجّهها لي الكاتب الأردني " رفعت العلّان" عن طريق بريده الإلكتروني، حينها كنت في الرابعة عشرة من عمري، كتب لي: " الذكاء المفرط ليس نعمة، ويجب أن يكون لدى الإنسان هامش ولو بسيط من الغباء".
"كيف أصبحتُ غبيًا؟"، هي رواية فلسفية ساخرة للكاتب الفرنسي مارتن باج، وهي أولى أعماله نُشرت في عام 2001.
تحكي
الراوية قصة الشاب " أنطوان"، وهو شاب يتصفّ بذكاء شديد. إلّا أن ذكاءه قد
أعياه، وفرض على عقله التفكير الدائم، وهو ما سبب له العزلة وعدم القدرة
على الاندماج. مّما جعله يدرك أن عقله هو سبب شقائه. لذا قرّر أن يصبح
غبيًا ! كي يعيش طبيعيًا مثل باقي البشر بسلام.
وكانت أولى محاولاته للوصول إلى الغباء هي أن يشرب الكحول فيصبح سكّيرًا غبياً. لكنه لا يُفلح، وتأتي الإسعاف وتحمله للمستشفى جرّاء تسممٍ كحولي. حينها يقرّر الانتحار ويأخذ دروساً عن الطرق المثلى لذلك، ولكنه يتراجع عن هذا القرار، وهو يدرك الآن أنه لا يرغب بالعيش، ولكن أيضاً لا يريد الموت !
ثم يذهب لطبيبه النفسيّ فيعطيه أقراصاً مُهدّئة. وأخيراً يقرر أن يصبح سمساراً، فيعيش حياةً مليئة باللهو والترف والغباء، وفي كل مرة يفكر بالعودة لماضيه يقتله بتلك الحبات المهدئة. ويستمر على هذا الحال حتى يشفق عليه أصدقاؤه القُدامى فيعملون على إخراجه من حياته الجديدة، فيستجيب لهم ويعود لروتينه القديم ويقابل فتاة بمثل تفكيره ويفتحان معاً صفحة جديدة.
الرواية تهتمّ بتفاصيل يومية، كي تحرّك ذهن القارئ علّه يرى ما يجري معه في روتينه اليومي دون أن ينتبه، فيطرح على نفسه أسئلة فلسلفية مثل :" هل أريد حقًا أن أكون ذكيًا؟، هل يجب أن أتصرّف هكذا في هذا الموقف أم عليّ أن أدّعي الغباء وعدم الفهم؟" .
ويبقى بطل هذه القراءة السؤال التالي: " هل يكون الشخص أكثر ذكاءً إن تحلّى ببعض الغباء؟"